سورة يونس - تفسير تفسير الثعالبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


قوله سبحانه وتعالى: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً} يقول الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم لآمن بك وصدقك من في الأرض كلهم جميعاً ولكن لم يشأ أن يصدقك ويؤمن بك إلا من سبقت له السعادة في الأزل قال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحرص أن يؤمن به جميع الناس ويتابعوه على الهدى فأخبره الله عز وجل أنه لا يؤمن به إلا من سبقت له من السعادة في الذكر الأول ولم يضل إلا من سبق له من الله الشقاء في الذكر الأول وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان حريصاً على إيمانهم كلهم فأخبره الله أنه لا يؤمن به إلا من سبقت له العناية الأزلية فلا تتعب نفسك على إيمانهم وهو قوله سبحانه وتعالى: {أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} يعني ليس إيمانهم إليك حتى تكرههم عليه أو تحرص عليه إنما إيمان المؤمن وإضلال الكافر بمشيئتنا وقضائنا وقدرنا ليس ذلك لأحد سوانا {وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله} يعني وما كان ينبغي لنفس خلقها الله تعالى أن تؤمن وتصدق إلا بقضاء الله لها بالإيمان فإن هدايتها إلى الله وهو الهادي المضل.
وقال ابن عباس: معنى بإذن الله، بأمر الله وقال عطاء: بمشيئة الله قوله تعالى: {ويجعل} قرئ بالنون على سبيل التعظيم أي ونجعل نحن وقرئ بالياء ومعناه ويجعل الله {الرجس} يعني العذاب، وقال ابن عباس: يعني السخط {على الذين لا يعقلون} يعني لا يفهمون عن الله أمره ونهيه.
قوله عز وجل: {قل انظروا} أي: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يسألونك الآيات انظروا يعني انظروا بقلوبكم نظر اعتبار وتفكر وتدبر {ماذا في السموات والأرض} يعني: ماذا خلق الله في السموات والأرض من الآيات الدالة على وحدانيته ففي السموات الشمس والقمر وهما دليلان على النهار والليل والنجوم سخرها طالعة وغاربة وإنزال المطر من السماء وفي الأرض الجبال والبحار والمعادن والأنهار والأشجار والنبات كل ذلك آية دالة على وحدانية الله تعالى وأنه خالقها كما قال الشاعر:
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد
{وما تغني الآيات والنذر} يعني الرسل {عن قوم لا يؤمنون} وهذا في حق أقوام علم الله أنهم لا يؤمنون لما سبق لهم في الأزل من الشقاء.


{فهل ينتظرون} يعني مشركي مكة {إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم} يعني من مضى من قبلهم من الأمم السالفة المكذبة للرسل قال قتادة يعني وقائع الله في قوم نوح وعاد وثمود.
والعرب تسمي العذاب أياماً والنعم أياماً كقوله تعالى وذكرهم بأيام الله والمعنى فهل ينتظر هؤلاء المشركون من قومك يا محمد إلا يوماً يعاينون فيه العذاب مثل ما فعلنا بالأمم السالفة المكذبة أهلكناهم جميعاً فإن كانوا ينتظرون ذلك العذاب ف {قل فانتظروا} يعني: قل لهم يا محمد فانتظروا العذاب {إني معكم من المنتظرين} يعني: هلاككم، قال الربيع بن أنس: خوفهم عذابه ونقمته ثم أخبرهم أنه إذا وقع ذلك بهم أنجى الله رسله والذين آمنوا معهم من ذلك العذاب وهو قوله تعالى: {ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا} يعني من العذاب والهلاك {كذلك حقاً علينا ننجي المؤمنين} يعني كما أنجينا رسلنا، والذين آمنوا معهم من الهلاك كذلك ننجيك يا محمد والذين آمنوا معك وصدقوك من الهلاك والعذاب.
قال بعض المتكلمين: المراد بقوله حقاً علينا الوجوب لأن تخليص الرسول والمؤمنين من العذاب واجب وأجيب عن هذا بأنه حق واجب من حيث الوعد والحكم لا أنه واجب بسبب الاستحقاق لأنه قد ثبت أن العبد لا يستحق على خالقه شيئاً.
قوله سبحانه وتعالى: {قل يا أيها الناس} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي قل يا محمد لهؤلاء الذين أرسلتك إليهم فشكوا في أمرك ولم يؤمنوا بك {إن كنتم في شك من ديني} يعني الذي أدعوكم إليه وإنما حصل الشك لبعضهم في أمره صلى الله عليه وسلم لما رأى الآيات التي كانت تظهر على يد النبي صلى الله عليه وسلم فحصل له الاضطراب والشك فقال إن كنتم في شك من ديني الذي أدعوكم إليه فلا ينبغي لكم أن تشكوا فيه لأنه دين إبراهيم عليه السلام وأنتم من ذريته وتعرفونه ولا تشكون فيه وإنما ينبغي لكم أن تشكوا في عبادتكم لهذا الأصنام التي لا أصل لها البتة فإن أصررتم على ما أنتم عليه {فلا أعبد الذين تعبد ون من دون الله} يعني هذه الأوثان وإنما وجب تقديم هذا النفي لأن العبادة هي غاية التعظيم للمعبود فلا تليق لأخس الأشياء وهي الحجارة التي لا تنفع لمن عبد ها ولا تضر لمن تركها ولكن تليق العبادة لمن بيده النفع والضر وهو قادر على الإماتة والإحياء وهو قوله سبحانه وتعالى: {ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم} والحكمة في وصف الله سبحانه وتعالى في هذا المقام بهذه الصفة أن المراد أن الذي يستحق العبادة أعبد ه أنا وأنتم هو الذي خلقكم أولاً ولم تكونوا شيئاً ثم يميتكم ثانياً ثم يحييكم بعد الموت ثالثاً، فاكتفى بذكر الوفاة تنبيهاً على الباقي، وقيل: لما كان الموت أشد الأشياء على النفس ذكر في هذا المقام ليكون أقوى في الزجر والردع وقيل إنهم لما استعجلوا بطلب العذاب أجابهم بقوله ولكن أعبد الله الذي هو قادر على إهلاككم ونصري عليكم {وأمرت أن أكون من المؤمنين} يعني وأمرني ربي أن أكون من المصدقين بما جاء من عنده قيل لما ذكر العبادة وهي من أعمال الجوارح أتبعها بذكر الإيمان لأنه من أعمال القلوب {وأن أقم وجهك للدين حنيفاً} الواو في قوله وأن أقم واو عطف معناه وأمرت أن أقيم وجهي يعني أقم نفسك على دين الإسلام حنيفاً يعني مستقيماً عليه غير معوج عنه إلى دين آخر، وقيل معناه أقم عملك على الدين الحنيفي وقيل أراد بقوله وأن أقم وجهك للدين صرف نفسه بكليته إلى طلب الدين الحنيفي غير مائل عنه {ولا تكونن من المشركين} يعني ولا تكونن ممن يشرك في عبادة ربه غيره فيهلك وقيل إن النهي عن عبادة الأوثان قد تقدم في الآية المتقدمة فوجب حمل هذا النهي على معنى زائد وهو أن من عرف الله عز وجل وعرف جميع أسمائه وصفاته وأنه المستحق للعبادة لا غيره فلا ينبغي له أن يلتفت إلى غيره بالكلية وهذا هو الذي تسميه أصحاب القلوب بالشكر الخفي {ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك} يعني إن عبد ته ودعوته {ولا يضرك} يعني إن تركت عبادته {فإن فعلت} يعني ما نهيتك عنه فعبد ت غيري أو طلبت النفع ودفع الضر من غيري {فإنك إذاً من الظالمين} يعني لنفسك لأنك وضعت العبادة في غير موضعها وهذا الخطاب وإن كان في الظاهر للنبي صلى الله عليه وسلم فالمراد به غيره لأنه صلى الله عليه وسلم لم يدع من دون الله شيئاً البتة فيكون المعنى ولا تدع أيها الإنسان من دون الله ما لا ينفعك، الآية.


قوله تعالى: {وإن يمسسك الله بضر} يعني وإن يصبك الله بشدة وبلاء {فلا كاشف له} يعني لذلك الضر الي أنزل بك {إلا هو} لا غيره {وإن يردك بخير} يعني بسعة ورخاء {فلا راد لفضله} يعين فلا دافع لرزقه {يصيب به} يعني: بكل واحد من الضر والخير {من يشاء من عباده} قيل إن الله سبحانه وتعالى لما ذكر الأوثان وبين أنها لا تقدر على نفع ولا ضر بين تعالى أنه هو القادر على ذلك كله، وأن جميع الكائنات محتاجة إليه وجميع الممكنات مستندة إليه لأنه هو القادر على كل شيء وأنه ذو الجود والكرم والرحمة ولهذا المعنى ختم الآية بقوله: {وهو الغفور الرحيم} وفي الآية لطيفة أخرى وهي أن الله سبحانه وتعالى رجح جانب الخير على جانب الشر وذلك أنه تعالى لما ذكر إمساس الضر بين أنه لا كاشف له إلا هو وذلك يدل على أنه سبحانه وتعالى يزيل جميع المضار ويكشفها لأن الاستثناء من النفي إثبات.
ولما ذكر الخير قال فيه فلا راد لفضله يعني أن جميع الخيرات منه فلا يقدر أحد على ردها لأنه هو الذي يفيض جميع الخيرات على عباده وعضده بقوله وهو الغفور يعني الساتر لذنوب عباده الرحيم يعني بهم.
قوله سبحانه وتعالى: {قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم} يعني القرآن والإسلام وقيل الحق هو محمد صلى الله عليه وسلم جاء بالحق من الله عز وجل: {فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه} لأن نفع ذلك يرجع إليه {ومن ضل فإنما يضل عليها} أي على نفسه لأن وباله راجع إليه فمن حكم الله له بالاهتداء في الأزل انتفع ومن حكم عليه بالضلالة ضل ولم ينتفع بشيء أبداً {وما أنا عليكم بوكيل} يعني وما أنا عليكم بحفيظ أحفظ عليكم أعمالكم وقال ابن عباس: هذه الآية منسوخة بآية السيف {واتبع ما يوحى إليك} يعني الأمر الذي يوحيه الله إليك يا محمد {واصبر} يعني على أذى من خالفك من كفار مكة وهم قومك {حتى يحكم الله} يعني ينصرك عليهم بإظهار دينك {وهو خير الحاكمين} يعني أنه سبحانه وتعالى حكم بنصر نبيه وإظهار دينه وبقتل المشركين وأخذ الجزية من أهل الكتاب، وفيه ذلهم وصغارهم والله تعالى أعلم بمراده وأسرار كتابه.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10